لقاء الماضى

يستيقظ من نومه بعد أن تغيب الشمس ينظر من حوله وهو راقد فى فراشه ليجد الظلام يزحف
الى غرفته ---- فبعد أحالته على المعاش أعتاد أن ينام طوال النهار -- فقد كانت
حياته حافله بالعمل والأهل والأصدقاء -- ولكن كل من حوله بمرور الزمن ذهبوا فى
طريقهم وأصبح هو وحيد ويعيش فى سكون وهدوء غريب -- يرفع يده ليمسك بمفتاح معلق فوق
رأسه ليضىء الغرفه -- ويتكىء على طرف فراشه محاولا" النهوض فى كسل وبطىء شديد --
يجلس قليلا" على طرف الفراش ويتحسس بقدمه الأرض بحثا عن الخف العتيق ليرتديه ويبدأ
فى الوقوف على قدميه الهزيلتين --- ويشعر بقشعريره بجسده من لفحه بارده خفيفه هاجمت
جسده العجوز فقد كان الوقت شتاء والبرد قارس ---- كانت غرفه نومه فاخره ولكنها
عتيقه وكان كل ما فيها منظم ونظيف ---- وكان فى أحد أركانها مقعد وحيد بجانبه طاوله
صغيره يضع عليها بعض الكتب ونظارته وساعه يده وعلبه سجائره -- تحرك فى خطوات بطيئه
كسوله الى حامله الملابس وأخذ من عليها المنشفه ووضعها على كتفه وذهب الى دوره
المياه ليأخذ حمامه المعتاد
ويخرج بعد قليل من
دوره المياه وقد بدأ النشاط يدب فى أوصاله -- ويرتدى جزء من ملابسه ويذهب الى
المطبخ ليصنع قليل من الشاى ليدفىء صدره ---- يأخذ كوب الشاى ويذهب الى غرفته ليتم
أرتداء ملابسه --- فقد كان يذهب كل يوم الى المقهى القريب من منزله ليقضى بعض الوقت
مع ما تبقى من رفاق العمر --- وأرتدى ملابسه الفاخره وكان يرتشف قليل من الشاى من
حين لآخر ويضع معطفه الذى يقيه لسعات البرد القارس ---- وينظر لنفسه فى المرآه
ليطمئن على مظهره ويبتسم وهو راضى وسعيد ويلتقط زجاجه العطر ويتعطر منها فهو كان
دائما يعشق العطر ---- ويتحرك فى أتجاه الطاوله الصغيره ليلتقط نظارته وساعه يده
وعلبه سجائره والولاعه ويضعها فى جيب معطفه ويهم بالخروج الى باب منزله ولكنه يتذكر
العصا التى يتكىء عليها فهى رفيقته الوحيده -- فأخذها وتوجه الى باب منزله فى خطوات
تحاول أن تكون نشيطه ويبدأ فى هبوط درجات السلم القليله ويسير فى طريقه الذى أعتاده
كل يوم بخطوات هادئه متكىء على رفيقه أيامه الباقيه
----
كان الشارع هادىء
والمصابيح القويه تضىء له الطريق ---- وقبل أن يصل الى المقهى بخطوات قليله تقف
بالقرب منه سياره لتهبط منها أمرأه ---- أمرأه جميله ممشوقه القوام ينسدل شعرها على
كتفيها وكانت رائحه عطرها قويه -- جذبته وأستوقفته
وألتفتت المراه بعد أن
أغلقت سيارتها لتجد نفسها تقف أمامه فقد كانت على بعد خطوتين منه ---- وظل هو ساكنا
لايتحرك من مكانه ونظر لها فى ذهول وظلت هى أمامه تنظر له فى تعجب ---- لم تنطق
الشفايف بكلمه ولكن دار حوار بين العيون تساءلت عيناه -- هل هذه أنتى ؟ قالت عيناها
هل هذا أنت ؟
قال هو: لا أصدق عينى
هل أنتى أمامى لم يغيرك الزمان جميله لازلتى لازال جسدك جميل لازلتى مفعمه بالحيويه
وكأن الزمان توقف
قالت هى :هل تملك منك
الكبرماذا فعل بك الزمان ؟
قال هو: كيف أنتى --
هل سعيده فى حياتك ؟
قالت هى : نعم سعيده
وأنت
قال هو: أخذتنى الدنيا
واليوم أصبحت وحيدا" فيها
قالت هى : أين آلك
وذويك أين الأصدقاء ؟
قال هو: ذهبوا جميعا"
لدنياهم
قالت هى: مسكين أيها
الرجل -- الم تقابل حبا" ؟
قال هو : لم أجد بعدك
حبا" يروى ظمىء --- وأنتى ؟
قالت هى : عشت حياه
هادئه سعيده والحب يملؤ أيامى
قال هو : هل تذكرتينى
يوما" كنت أنا حبك -- هل نسيتى حبى ؟ هل قابلتى فى طريقك حب جديد
؟
قالت هى : نسيت حبك --
كان لابد أنسى -- كان لابد أن أترك الألم وأبتعد عنه
قال هو : بحثت عنكى فى
كل مكان -- كنت أبحث عن عيينيكى وبريقها فى الوجوه
قالت هى : لماذا أذا
تركتنى فى الطريق وحدى -- لماذا تركتنى أداوى جروحى
وحدى
قال هو : كنت لا أعلم
اننى أحبك ولكن بعد فراقك وجدت نفسى لا أطيق العيش بدونك

قالت هى : ألا تذكر ما
فعلت بى -- تركتنى بعد أن رجمتنى بقسوتك
قال هو : كنت أحررك من
قيدى
قالت هى : لم يكن حبك
يوما" قيدا بل كان ربيع عمرى كنت أتوسل لك أن لا تبتعد وتتركنى ولكنك أعتصرتنى بين
ذراعيك -- كدت تقتلنى
قال هو : ندمت على
فعلتى وبعد غيابك أتى الخريف بأحزانه وألامه لم تغيبى عن ذهنى وقلبى لحظه --- كنتى
فى أحلامى زهره
قالت هى : كنت لى
عمرا" وأملا" كنت أغنيك -- كنت فارس أحلامى -- ولكنك ألقيت بى فى الطريق

قال هو : أرجوكى
سامحينى وأغفرى لى ذنبى
قالت هى : غفرت لك من
زمن بعيد فكنت طفلى المدلل -- ولكنك اليوم أصبحت رجلا" -- غفرت لك لا تحزن

قال هو : لا تذهبى --
أبقى معى
قالت هى : لا أستطيع
فلى دنيا غير دنياك --
وهنا توقف الحديث بين
العيون -- وأتاه صوتها العذب الرقيق يسأله أن يفسح لها الطريق لتكمل طريقها --
فيتنحى الرجل بخطوات ثقيله متعثره وتمضى المرأه تاركه الرجل مع الذكرى وعطرها يملأ
صدره ويظل الرجل فى مكانه يتبع بعينيه خطواتها وقلبه يتمنى ألا تغيب عن عينه --
ولكنها تذهب وتختفى
ويعود الرجل ممسكا"
بعصاه ويخطوا خطوات قليله الى المقهى -- وفى قلبه حسره على حبه المفقود -- وكان يظن
انه اليه يعود ولكنه فقده من جديد
نظر الرجل داخل المقهى
الى مكان جلوسه مع الرفاق فلم يأتى أحدا" منهم بعد -- فدلف الى داخل المقهى وجلس
ورأسه ممتلئه بالأفكار وقلبه ممتلىء شجن ويفيق على صوت النادل يسأله ماذا يريد أن
يأتيه به ---- فقال له أى شىء يدفىء صدرى -- وسرح الرجل مره أخرى ووضع يديه على
عصاه وأستند بذقنه عليهم وأخذ يتذكر الماضى ويتذكر ضحكها ولمساتها وبريق عينيها
ويغمض عينيه ليضمها داخلهما فتنهمر دموعه على وجنتيه -- ويأتى أحد الرفاق ليجده
مغمض العينين فيقترب منه ضاحكا" ويقول له أجئت لتنام هنا قم يا رجل --- ولكن لا
يأتيه الرد من صديقه يظل صامتا" ودمعه متحجر على وجنتيه

فقد فارقت الروح الجسد
---- وافته المنيه بعد لقاء الحبيبه وكأنه كان موعدا" -- ذهب الى ربه فى هدوء
وسكينه وذهبت الروح الحزينه
تحررت من سجنها الجسد

من طرف **جدار الزمن** السبت أغسطس 11, 2012 8:50 pm

دائما متميز في الانتقاء
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك

من طرف **عاشق** الأربعاء أغسطس 22, 2012 10:45 pm

دآإئمـاَ تَـبهَـرٍوٍنآآ بَمَ ـوٍآضيعكـ

لك الشكر من كل قلبي

الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت	الأحد
						1
2	3	4	5	6	7	8
9	10	11	12	13	14	15
16	17	18	19	20	21	22
23	24	25	26	27	28	29
30

لقاء الماضى

لقاء الماضى

رد: لقاء الماضى

رد: لقاء الماضى